لم تقتصر مشاركة السينما السعودية في الدورة 33 لأيام قرطاج السينمائية على عرض أفلام تم اختيارها بدقة لتبرز مدى تطور المشهد السينمائي في المملكة العربية السعودية خلال السنوات الأخيرة وقدرتها على طرح مواضيع كشفت واقعا لم نعهده في الانتاجات الدرامية خاصة في المسلسلات الرمضانية. هذا الواقع الذي عكس صورة مختلفة وجوانب عديدة اجتماعية وانسانية وثقافية ودينية واقتصادية للمجتمع السعودي في فترة الثمانينات والتسعينات.
بل كانت فرصة لتواجد العديد من صانعات وصناع الأفلام السعوديات والسعوديين وخبراء المهنة الذين حضروا عروض أفلاهم وشاركوا الجمهور التونسي نقاشات مهمة تفاعلت خلالها جميع الأطراف من صحافيين ونقاد وفاعلين في قطاع السينما
أسبوع اقترب فيه الجمهور أكثر من السينما السعودية من خلال عروض لأحسن الأفلام الطويلة والقصيرة والأفلام الوثائقية منذ 2020. نذكر منها فيلم الافتتاح 40 عاما وليلة للمخرج الشاب محمد هميل والكاتب محمد سلامة الذي كشف نوع من الهشاشة الموجودة في بعض الروابط الأسرية في المجتمع السعودي وعالج بتمعن المشكلات الإجتماعية من خلال قصة منزل العائلة الذي اجتمع فيه جميع الإخوة وأبنائهم ليتلقوا فجأة خبر حادث والدهم، الحدث الذي كان السبب الرئيسي في تغيير نسق الأحداث في الفيلم لاكتشاف أسرارا دفينة. قصة نجحت في شد انتباه المشاهد لإختلاف التفاصيل التي ركزها عليها المخرج في عمله عما عهدنا عليه ربما في فكرة الدراما التي عالجت سابقا نفس المشاكل التقليدية المطروحة كالخيانة والزواج في السروالإنفصال. لكن استعمال المخرج لتقنيات فنية جديدة في المونتاج ميزت المشاهد وجعلت من المتلقي يرغب في متابعة القصة وسير الأحداث التى نجحت الموسيقى المعتمدة والتي ألفتها غيا الرشدات في التناسق معها وزيادة ايقاعها.
هذا ما أكده فيلم حد الطار للمخرج عبد العزيز الشلاحي والذي كشفت قصته من تأليف الكاتب مفرج المجفل التناقضات والصراعات والطبقية الاجتماعية الموجودة في المجتمع السعودي من خلال معالجته لعديد الثنائيات التي شاهدناها في كامل الفيلم كثنائية الموت والحياة والتي برزت من خلال تركيبة عنوان الفيلم حد الطار، فالحد هو تطبيق حكم الإعدام أي الموت، الحزن والكراهية، أما الطار يعني الدف فهو يرمز إلى الحياة، الفرح والحب.
عمل نجح في رواية قصة تدور أحداثها في حي شعبي من أحياء مدينة الرياض مليئة بالتناقضات الإجتماعية التي لاحظناها في علاقة الحب التي جمعت بين دايل ابن السياف الذي ينفذ حكم الإعدام (فيصل الدوخي) وشامة بنت الطڨاڨة التي تغني في الأفراح (أضوى فهد) والتي أراد المخرج أن يصورها بطريقة نجح من خلالها شد فضول المتفرج للتعمق مع تلك التفاصيل الرومانسية. مشاهد الفيلم كشفت لنا تلك الحياة الفقيرة وتلك المعاناة التي يعيشها الشباب عندما تكون العائلات مختلفة ماينتج عنها حالة من الصراعات الذاتية بين مايريده المجتمع ومايرغب فيه الفرد. فالبطل الذي عشق بنت الطڨاڨة عاش هذا الصراع مع نفسه ومع عمه الذي رفض زواجه من حبيبته شامة بسبب عائلتها ووالدتها التي تغني في الأفراح خاصة أن أحداث الفيلم تدور في فترة التسعينات. دايل يجد نفسه مجبرا على المواصلة في مسيرة والده والعمل في تطبيق الإعدام وشامة تجد نفسها مجبرة على العمل في فرح لجمع كفالة ابن خالتها سرور المحكوم عليه في قضية دفاع على النفس فإما أن يدفع أو يقام عليه الحد. فهل سيكون دايل منفذ حكم الإعدام أو منقذ ابن الخالة رغم اكتشافه اختيار حبيبته شامة له؟
حد الطار اعتمدت فيه طريقة تصوير قربتنا من زوايا المشاهد وتفاصيل ملامح الشخصيات المميزة فتركت المشاهد يسافر الى العالم البسيط المعروض أمامه ليستمتع بموسيقى تصويرية من تأليف محمد ناصيف أضافت للفيلم نوع من الجاذبية من جهة والتأثير على مشاعر الجمهور الحاضر في القاعة بطريقة عفوية من جهة أخرى.
فهل يمكن اعتبار فيلم حد الطار تجربة سينماية ناجحة على جميع المستويات؟
أسئلة طرحناها تقودنا للحديث عن الفيلم القصير رقم هاتف قديم للمؤلف والمخرج علي السعيد الذي لم يقتصر على طرح تلك المشاكل و الصراعات الاجتماعية و عرض الصورة النمطية للصراع الداخلي الذي يعيشه أي انسان في مرحلة معينة من حياته. فعنوان الفيلم مقتبس من عنوان قصيدة الشاعر العراقي مظفر النواب الذي قال”أغلقنا رغبات الشباك برقة قلب.. ونسينا الصبح بدون مطر”. فشخصية حامد التي جسدها يعقوب الفرحان في الفيلم تعيش أزمة منتصف العمر وماتحتويه من صراعات وجودية نجحت في إبراز قدرة الشخص على التأثر بسرعة وتغيير قرار اتخذه حتى ولو كانت العناصر المحيطة مختلفة عما عهدناه في قصص أو أعمال سابقة فجرأة المخرج قامت بتغيير وجهة الشخصية من رحلته لأداء مناسك العمرة في خشوع تام ليجد نفسه أمام باب منزل حبيبته السابقة أو الحالية وضياعه بين ذكريات الماضيوعدم قدرته على تجاوزها. ما شدنا في هذا القسم من الفيلم هو الحوار الذي دار بين حامد و هيا لشجاعتها في الكلام وقدرتها على التعبير عكس حبيبها الذي لم يتمكن من فهم رغبته بين الدخول من الباب الذي تركته الحبيبة مفتوحا أو الخروج ومواصلة الرحلة. فأن تقررالشخصية بين البقاء والإستمرار في علاقتها أو إنهائها لم يحققه مخرج العمل تاركا القرارللمشاهد حتى يحدد مصير الحبيبين أو مصير العديد من العلاقات التي بقيت في منتصف الطريق لعدة أسباب وهو ماجسدته شخصية حامد المضطربة في هذا العمل.
أعمال أخرى عرضت في أسبوع السينما السعودية ضيف شرف الدورة كفيلم آخر زيارة للمخرج عبد المحسن الضبعان وفيلم سيدة البحر من تأليف وإخراج شهد أمين والفيلم الوثائقي مامي لامولا للمخرجة أنهار سالم والمشارك في المسابقة الرسمية للأفلام الوثائقية الطويلة.
وفي انتظار الأعمال الجديدة لصانعات وصناع الأفلام في السعودية أعلن مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي عن العرض العالمي الأول لسبعة أفلام سعودية إضافة إلى 18 فيلما قصيرا ضمن برنامجه في دورته القادمة التي ستقام في مدينة جدة وذلك من 1 إلى 10 ديسمبر.